قصص إنسانية موجعة وخطباء المساجد من تعز صرخة استغاثة تختلط بعتاب ونقد شرعي
قصص إنسانية موجعة وخطباء المساجد من تعز صرخة استغاثة تختلط بعتاب ونقد شرعي
تاريخ النشر: الإثنين, 27 يونيو 2016 - 14:32 مساءً | عدد المشاهدات: 1,872
عند اختلاط الشعور الإنساني بنفحات شهر الخير والبركة، وتجيش عاطفة المسلم، تكون سبباً يبرر ارتباك الكلمات وصمت الأحرف وعجز الجملة عن سرد وصفي ينقل الحدث الجاري في نسق واضح، وقتها يدرك الكاتب أو الصحفي أن ما نحن بصدد بنائه داخل الورقة أكبر من تلك الأعمال الاعتيادية، إنه شعور يحفر في ضمير الإنسانية، فتتحول إرادة الكتابة من واجب مهني إلى ضرورة أخلاقية وإنسانية وقضية وطن منتهك، وأما الكتابة عن تشييد المشهد وتحديد نقطة القصة فمختلفة ومترابطة، إنها قضية الجوع والفقر والحرب في تعز، والتي طرحت على طاولة نقاش رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر خلال لقائه يوم السبت بعدن المجلس العسكري وقادة المقاومة بمحافظة تعز وشرحوا حجم الجرائم والانتهاكات التي تقوم بها مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية على أحياء مدينة تعز، حيث قال بن دغر:" إن المليشيا الانقلابية كانت مراهنة على سقوط تعز، ولكن بفضل من الله والجيش الوطني والمقاومة الشعبية ظلت تعز صامدة ومناهضة لتلك المليشيا التي ارتكبت أبشع الجرائم"، ووصفها "إن تعز جسدت بصمودها ونضالها الانتصار الحقيقي للجمهورية والوحدة، فهي نبض اليمن الدائم لم تقبل بالإمامة، ومن تعز يبدأ الانتصار لليمن".
ـ أسوار محكمه الإغلاق وتدهور لا يتوقف
تمهيداً للدخول في قضية اليوم وبالأصح قضية كل الأيام وكل إنسان، بدأ "برنامج التواصل مع علماء اليمن" بخوض تجربة فريدة داخل أحياء مدينة تعز مع الشيخ حمدي إمام وخطيب جامع علي في وادي القاضي، فقد دفعه ضميره إلى العمل التطوعي وصار مسئول توزيع الإغاثة في المنطقة، ويتنقل بين المسجد والعمل الاغاثي، قال للبرنامج :"إن الجانب الإنساني متدهور للغاية في الحالمة تعز، فتحتضن داخل سورها المحكم الإغلاق من قبل عصابات - التتار الجدد - مئات الآلاف من بني الإنسان محاصرون في قوتهم، وعددهم حاليا يقارب الستمائة ألف نسمة، وهؤلاء المتبقون في المدينة المنكوبة، أغلبهم من الفئات المعدمة التي لم تجد ما تحمل نفسها عليه، فلم تستطع النزوح، أو نزح بعضهم ولكن لطول الأزمة اضطروا للعودة إلى ما تبقى من منازلهم في المدينة".
قد تتوه القضية وسط الحرب واستعارها وتمددها أكثر فتصل حرائقها إلى باقي الأسر وهو ما يجعل توفر المواد الغذائية وضروريات الحياة أكثر صعوبة خصوصا في شهر رمضان في ظل الحصار المفروض على المدينة من قبل المليشيات، والشيخ حمدي يسرد التفاصيل عنها قائلا:"لن أتكلم عن معاناة جميع سكان المدينة، بل فقط سأحكي لكم معاناة جزء من هؤلاء الناس الموجودين في وسط المدينة، قصة أسرة تعاني، سأتحدث عن معاناة سكان منطقة وادي القاضي لأني أحد أبناء هذه المنطقة، وكوني أيضا من الناشطين في الجانب الإنساني، وهي هنا قصة واحدة فقط، لأن هذه القصة تختزل الوضع الإنساني في المدينة وتوضح التدهور".
ـ صرخة استغاثة تختلط بعتاب ونقد شرعي للشرعية
ينتقل الشيخ حمدي وهو يتحدث عن الوضع الإنساني:"هذه القصة هي التي دفعتني وشجعتني على الانخراط في العمل التطوعي والاغاثي، عند دخولي العمل الاغاثي وجدنا حالات كثيرة تشابهها، فما يعانيه سكان مدينة تعز لا تتحمل وزره كاملا عصابات الظلام، بل هناك وزر يتحمله أولا: المجتمع الدولي بشكل عام، تجاه صمته المطبق عما يحدث لنا من مآسي إنسانية، لا تليق حتى بالحيوانات فضل عن الإنسان وكرامته، وتتحمل وزره ثانيا: السلطة الشرعية التي تتفرج علينا ببرودة وكأن الأمر لا يعنيها، أو بحسب اعتقادهم أن تقديم الإغاثة العاجلة لنا ليس من ضرورات الحياة، وضرورات صمدنا".
ثم يشرع الشيخ في نسج خيوط المشهد المبكي وهو لأحد الإخوة المتعففين حسب وصف الشيخ "كنت في إحدى الأيام الماضية جالسا في المسجد فجاءني أحد الأخوة الفضلاء والمعروفين، وقال لي سأخبرك بقصة فلان – جار له- تعجبت وقلت وما قصته، فأجاب"هل تعرف بأن هذا الأخ الفقير كان قبل الأزمة لديه بسطة متواضعة داخل دكان صغير في الحارة ضمارها لا يتجاوز المائة ألف يمني، وعندما بدأت الأحداث، وارتفعت المواد الغذائية، بسبب إغلاق التجار محلاتهم، ونزوح أهل المنطقة، فبدأ هذا الفقير يصرف هو عائلته منها حتى أكمل ما بداخلها، وكما تعلم أيضا أن الرجل عاجز عن العمل وهو فقير ومتعفف، ومنذ ما يقارب العام وليس في بيته ما يقيم صلب فرد من أفراد عائلته المكونة من أب وأم وثلاث بنات".
عند هذه الكلمات بات من الطبيعي أن نتساءل ويتساءل معنا الشيخ حمدي (وعلى ماذا كانوا يعيشون خلال هذه الفترة الماضية كلها؟)ولكم كان الجواب مريرا وبطولياً في الآن ذاته :"هناك زميل لهذا الفقير مقاوم في إحدى جبهات المقاومة القريبة كل يوم يأتي إلى هذه الأسرة الفقيرة بكيس لا أعلم ما بداخله"، ووجب أن سألته عن سر هذا الكيس ويقول"رفض أن يخبرني في المرة الأولى، فبقيت أتحين الفرص للجلوس مع هذا الشخص لاستخراج سره، فساعدني الحظ يوما أن قابلت هذا الأخ فوجدته يشرب الشاهي في إحدى المقاهي، جلست جواره، وبدأنا بالكلام حتى وصلت إلى مقصدي فبدأ يتهرب من الإجابة، وأنا أصر عليه؛ وبعد أخذ ورد، قال سأخبرك عن سره كونك أخ عزيز علي، لأني أريد بعملي هذا الأجر من الله".
ـ دموع عفوية فيما الإنسانية تقف على المحك الأخلاقي
الكلام القادم يضع أمامنا محكا أخلاقيا في الأسطر التالية ينقل الشيخ بطوله إنسان لا تتكرر كثيرا قال :"أن صاحب المنزل رجل عاطل عن العمل ، وقد علمت بحالته وعفته، وعملت منذ فترة طويلة لكي آتي لهم بما " تبقى " من طعام أفراد الجبهة"، إن الأمر فيه اندهاشة واستغراب "هل تأتي لهم بالوجبات الثلاث كل يوم" وأجاب:"لا بل أحاول قدر المستطاع أجمع المتبقي من خبز أو روتي الصباح، وإذا بقي أيضا من الليل ثم أضيف إليه بقايا طعام الغداء، وآتي به إليهم كل يوم"، أي الإنسان عند هذا الموقف يضعف وهو ما حدث فعلا "لم أتمالك نفسي وهو يحكي لي قصته مع هذا الفقير إلا والدموع تذرف من عيني بعفوية".
نجد معنى النفسية المكلومة والمصدومة بأزمة الحرب في هذه القصة الموجعة بحجم وجع القصف العشوائي الذي تمطر به الميليشيات الانقلابية محافظة تعز بما تبقى من سكانها، وفي هذا السياق قال المواطن "حامد البكاري 35 عاماً" لبرنامج التواصل مع علماء اليمن حين استطلعنا آراء الناس:"إن الكثير من المواد الغذائية ارتفعت أسعارها بحدود 150٪، لكننا وجدنا أنفسنا مضطرين لشرائها فلا نملك ما نقضي به بقية الشهر، هذا ما لا يمكن احتماله، خصوصاً وأن معظم الناس تقلصت لديهم محدودية الدخل، والبعض الآخر فقد مرتبه أو وظيفته أو عمله الخاص".
أما عبدالجليل الحمادي فيقول:" شهر رمضان يكاد ينتهي والميليشيات يفرضون علينا في المدينة عقوبة الموت الجماعي بلا أدنى رحمة، لا نريد في رمضان المأكولات الشهية والأطعمة والأشربة الفاخرة قدر ما نريد توقف القصف والحصار وبعض المساعدات التي تفي الحاجة لنبقى أحياء وبعض العلاجات من الأمراض التي تفتك ما بين الفينة والأخرى بالمواطنين"، وختم عبدالجليل كلامه بالقول "نحن في تعز لدينا طقوس جميلة في رمضان من حيث تجهيز كافة مستلزماته، لكننا الآن لا نجد قيمة رغيف الخبز فكيف لنا أن نعيش روحانية رمضان، ونحن نعيش في حرب وتدهور الحالة الاقتصادية".
ـ حملات إغاثة لا تشبع ولا تسمن من جوع
ويتفق كل المتابعين للوضع الإنساني في المحافظة على أن ما يزيد الأمر سوءا في شهر رمضان هو ارتفاع الأسعار الجنوني الذي بات شبحاً يلاحق المواطن، في الوقت الذي تحاول مؤسسة الملك سلمان للإغاثة الوصول لأبناء تعز حيث أكد الشيخ حمدي:"لقد بدأ تدشين الحملة الثانية في المدينة مع بداية رمضان، وواصلت وأنا بنفسي وزعتها بيدي على أبناء المنطقة دون ضجيج إعلامي على عكس نماذج للإغاثة التي يروج لها الإعلام وتتاجر بها المنظمات، وتمن بها الشرعية حينما تسمع عن تقديمها لأبناء تعز المحاصرين، وكم أحزنني وآلمني تزاحم الناس وتدافعهم وهم في الطوابير من التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساء بين الشمس وهم صائمون، يوما كاملا وفي الأخير يوصل سلة الملك سلمان الغذائية ليطبخها عشاء لذلكم اليوم، والمؤسف أنها لم تشمل جميع المناطق المحاصرة، ومن شملتهم لم يستوعبوا فيها جميع الأسر بل وجدنا كثيرا من الأسر لم تصلها هذه السلة المباركة".
وفي نهاية تصريحه لبرنامج التواصل مع علماء اليمن يؤكد الشيخ حمدي أن" المساعدات التي تصل لمحافظة تعز للأسف لا تكفي ربع الاحتياج الإنساني نتيجة الحصار الذي تفرضه الميليشيات".
عند اختلاط الشعور الإنساني بنفحات شهر الخير والبركة، وتجيش عاطفة المسلم، تكون سبباً يبرر ارتباك الكلمات وصمت الأحرف وعجز الجملة عن سرد وصفي ينقل الحدث الجاري في نسق واضح، وقتها يدرك الكاتب أو الصحفي أن ما نحن بصدد بنائه داخل الورقة أكبر من تلك الأعمال الاعتيادية، إنه شعور يحفر في ضمير الإنسانية، فتتحول إرادة الكتابة من واجب مهني إلى ضرورة أخلاقية وإنسانية وقضية وطن منتهك، وأما الكتابة عن تشييد المشهد وتحديد نقطة القصة فمختلفة ومترابطة، إنها قضية الجوع والفقر والحرب في تعز، والتي طرحت على طاولة نقاش رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر خلال لقائه يوم السبت بعدن المجلس العسكري وقادة المقاومة بمحافظة تعز وشرحوا حجم الجرائم والانتهاكات التي تقوم بها مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية على أحياء مدينة تعز، حيث قال بن دغر:" إن المليشيا الانقلابية كانت مراهنة على سقوط تعز، ولكن بفضل من الله والجيش الوطني والمقاومة الشعبية ظلت تعز صامدة ومناهضة لتلك المليشيا التي ارتكبت أبشع الجرائم"، ووصفها "إن تعز جسدت بصمودها ونضالها الانتصار الحقيقي للجمهورية والوحدة، فهي نبض اليمن الدائم لم تقبل بالإمامة، ومن تعز يبدأ الانتصار لليمن".
ـ أسوار محكمه الإغلاق وتدهور لا يتوقف
تمهيداً للدخول في قضية اليوم وبالأصح قضية كل الأيام وكل إنسان، بدأ "برنامج التواصل مع علماء اليمن" بخوض تجربة فريدة داخل أحياء مدينة تعز مع الشيخ حمدي إمام وخطيب جامع علي في وادي القاضي، فقد دفعه ضميره إلى العمل التطوعي وصار مسئول توزيع الإغاثة في المنطقة، ويتنقل بين المسجد والعمل الاغاثي، قال للبرنامج :"إن الجانب الإنساني متدهور للغاية في الحالمة تعز، فتحتضن داخل سورها المحكم الإغلاق من قبل عصابات - التتار الجدد - مئات الآلاف من بني الإنسان محاصرون في قوتهم، وعددهم حاليا يقارب الستمائة ألف نسمة، وهؤلاء المتبقون في المدينة المنكوبة، أغلبهم من الفئات المعدمة التي لم تجد ما تحمل نفسها عليه، فلم تستطع النزوح، أو نزح بعضهم ولكن لطول الأزمة اضطروا للعودة إلى ما تبقى من منازلهم في المدينة".
قد تتوه القضية وسط الحرب واستعارها وتمددها أكثر فتصل حرائقها إلى باقي الأسر وهو ما يجعل توفر المواد الغذائية وضروريات الحياة أكثر صعوبة خصوصا في شهر رمضان في ظل الحصار المفروض على المدينة من قبل المليشيات، والشيخ حمدي يسرد التفاصيل عنها قائلا:"لن أتكلم عن معاناة جميع سكان المدينة، بل فقط سأحكي لكم معاناة جزء من هؤلاء الناس الموجودين في وسط المدينة، قصة أسرة تعاني، سأتحدث عن معاناة سكان منطقة وادي القاضي لأني أحد أبناء هذه المنطقة، وكوني أيضا من الناشطين في الجانب الإنساني، وهي هنا قصة واحدة فقط، لأن هذه القصة تختزل الوضع الإنساني في المدينة وتوضح التدهور".
ـ صرخة استغاثة تختلط بعتاب ونقد شرعي للشرعية
ينتقل الشيخ حمدي وهو يتحدث عن الوضع الإنساني:"هذه القصة هي التي دفعتني وشجعتني على الانخراط في العمل التطوعي والاغاثي، عند دخولي العمل الاغاثي وجدنا حالات كثيرة تشابهها، فما يعانيه سكان مدينة تعز لا تتحمل وزره كاملا عصابات الظلام، بل هناك وزر يتحمله أولا: المجتمع الدولي بشكل عام، تجاه صمته المطبق عما يحدث لنا من مآسي إنسانية، لا تليق حتى بالحيوانات فضل عن الإنسان وكرامته، وتتحمل وزره ثانيا: السلطة الشرعية التي تتفرج علينا ببرودة وكأن الأمر لا يعنيها، أو بحسب اعتقادهم أن تقديم الإغاثة العاجلة لنا ليس من ضرورات الحياة، وضرورات صمدنا".
ثم يشرع الشيخ في نسج خيوط المشهد المبكي وهو لأحد الإخوة المتعففين حسب وصف الشيخ "كنت في إحدى الأيام الماضية جالسا في المسجد فجاءني أحد الأخوة الفضلاء والمعروفين، وقال لي سأخبرك بقصة فلان – جار له- تعجبت وقلت وما قصته، فأجاب"هل تعرف بأن هذا الأخ الفقير كان قبل الأزمة لديه بسطة متواضعة داخل دكان صغير في الحارة ضمارها لا يتجاوز المائة ألف يمني، وعندما بدأت الأحداث، وارتفعت المواد الغذائية، بسبب إغلاق التجار محلاتهم، ونزوح أهل المنطقة، فبدأ هذا الفقير يصرف هو عائلته منها حتى أكمل ما بداخلها، وكما تعلم أيضا أن الرجل عاجز عن العمل وهو فقير ومتعفف، ومنذ ما يقارب العام وليس في بيته ما يقيم صلب فرد من أفراد عائلته المكونة من أب وأم وثلاث بنات".
عند هذه الكلمات بات من الطبيعي أن نتساءل ويتساءل معنا الشيخ حمدي (وعلى ماذا كانوا يعيشون خلال هذه الفترة الماضية كلها؟)ولكم كان الجواب مريرا وبطولياً في الآن ذاته :"هناك زميل لهذا الفقير مقاوم في إحدى جبهات المقاومة القريبة كل يوم يأتي إلى هذه الأسرة الفقيرة بكيس لا أعلم ما بداخله"، ووجب أن سألته عن سر هذا الكيس ويقول"رفض أن يخبرني في المرة الأولى، فبقيت أتحين الفرص للجلوس مع هذا الشخص لاستخراج سره، فساعدني الحظ يوما أن قابلت هذا الأخ فوجدته يشرب الشاهي في إحدى المقاهي، جلست جواره، وبدأنا بالكلام حتى وصلت إلى مقصدي فبدأ يتهرب من الإجابة، وأنا أصر عليه؛ وبعد أخذ ورد، قال سأخبرك عن سره كونك أخ عزيز علي، لأني أريد بعملي هذا الأجر من الله".
ـ دموع عفوية فيما الإنسانية تقف على المحك الأخلاقي
الكلام القادم يضع أمامنا محكا أخلاقيا في الأسطر التالية ينقل الشيخ بطوله إنسان لا تتكرر كثيرا قال :"أن صاحب المنزل رجل عاطل عن العمل ، وقد علمت بحالته وعفته، وعملت منذ فترة طويلة لكي آتي لهم بما " تبقى " من طعام أفراد الجبهة"، إن الأمر فيه اندهاشة واستغراب "هل تأتي لهم بالوجبات الثلاث كل يوم" وأجاب:"لا بل أحاول قدر المستطاع أجمع المتبقي من خبز أو روتي الصباح، وإذا بقي أيضا من الليل ثم أضيف إليه بقايا طعام الغداء، وآتي به إليهم كل يوم"، أي الإنسان عند هذا الموقف يضعف وهو ما حدث فعلا "لم أتمالك نفسي وهو يحكي لي قصته مع هذا الفقير إلا والدموع تذرف من عيني بعفوية".
نجد معنى النفسية المكلومة والمصدومة بأزمة الحرب في هذه القصة الموجعة بحجم وجع القصف العشوائي الذي تمطر به الميليشيات الانقلابية محافظة تعز بما تبقى من سكانها، وفي هذا السياق قال المواطن "حامد البكاري 35 عاماً" لبرنامج التواصل مع علماء اليمن حين استطلعنا آراء الناس:"إن الكثير من المواد الغذائية ارتفعت أسعارها بحدود 150٪، لكننا وجدنا أنفسنا مضطرين لشرائها فلا نملك ما نقضي به بقية الشهر، هذا ما لا يمكن احتماله، خصوصاً وأن معظم الناس تقلصت لديهم محدودية الدخل، والبعض الآخر فقد مرتبه أو وظيفته أو عمله الخاص".
أما عبدالجليل الحمادي فيقول:" شهر رمضان يكاد ينتهي والميليشيات يفرضون علينا في المدينة عقوبة الموت الجماعي بلا أدنى رحمة، لا نريد في رمضان المأكولات الشهية والأطعمة والأشربة الفاخرة قدر ما نريد توقف القصف والحصار وبعض المساعدات التي تفي الحاجة لنبقى أحياء وبعض العلاجات من الأمراض التي تفتك ما بين الفينة والأخرى بالمواطنين"، وختم عبدالجليل كلامه بالقول "نحن في تعز لدينا طقوس جميلة في رمضان من حيث تجهيز كافة مستلزماته، لكننا الآن لا نجد قيمة رغيف الخبز فكيف لنا أن نعيش روحانية رمضان، ونحن نعيش في حرب وتدهور الحالة الاقتصادية".
ـ حملات إغاثة لا تشبع ولا تسمن من جوع
ويتفق كل المتابعين للوضع الإنساني في المحافظة على أن ما يزيد الأمر سوءا في شهر رمضان هو ارتفاع الأسعار الجنوني الذي بات شبحاً يلاحق المواطن، في الوقت الذي تحاول مؤسسة الملك سلمان للإغاثة الوصول لأبناء تعز حيث أكد الشيخ حمدي:"لقد بدأ تدشين الحملة الثانية في المدينة مع بداية رمضان، وواصلت وأنا بنفسي وزعتها بيدي على أبناء المنطقة دون ضجيج إعلامي على عكس نماذج للإغاثة التي يروج لها الإعلام وتتاجر بها المنظمات، وتمن بها الشرعية حينما تسمع عن تقديمها لأبناء تعز المحاصرين، وكم أحزنني وآلمني تزاحم الناس وتدافعهم وهم في الطوابير من التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساء بين الشمس وهم صائمون، يوما كاملا وفي الأخير يوصل سلة الملك سلمان الغذائية ليطبخها عشاء لذلكم اليوم، والمؤسف أنها لم تشمل جميع المناطق المحاصرة، ومن شملتهم لم يستوعبوا فيها جميع الأسر بل وجدنا كثيرا من الأسر لم تصلها هذه السلة المباركة".
وفي نهاية تصريحه لبرنامج التواصل مع علماء اليمن يؤكد الشيخ حمدي أن" المساعدات التي تصل لمحافظة تعز للأسف لا تكفي ربع الاحتياج الإنساني نتيجة الحصار الذي تفرضه الميليشيات".