مكره أخاك لا بطل..لسان حال الشعب والعلماء أساس معارك الفكر وهذه النقاط لا غنى عنها في طريق الاستقرار
ناقش برنامج التواصل مع علماء اليمن العديد من القضايا في مجالات مختلفة منها الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي وكل ما يختص بحال وواقع الأمة الإسلامية واستضاف في سبيل الرأي الصائب العديد من العلماء والدعاة أصحاب المكانة العلمية والشرعية للتوضيح والإيضاح أكثر فلا نترك الباحث عن الرأي السديد في خواء الواقع لا يعلم من أين يستزيد.
وها نحن اليوم نجري حوارا مع الأستاذ الشيخ حمدي الحميري، إمام وخطيب جامع علي في مدينة تعز منطقة وادي القاضي، تحدث فيه عن أهم الأسباب التي أوصلت البلد إلى حرب الانقلابيين وأهوالها الحاضرة أمام العيان، وذكر واجب العلماء، بعد الانتهاء من المعركة العسكرية وإسهامهم في معركة الفكر وترسيخ قيم التسامح والتعايش.
كما أننا تطرقنا إلى حجم وطبيعة التدخلات الخارجية في الحرب الانقلابيين، وفند الأهداف التي اشتغلت على أساسها الأجندات،غير أنه دحض الإشاعات التي تتحدث عن تأخر الحسم في تعز حسب ما قيل إنه يعود لتفرق كلمه المقاومة في تعز وقال الحقيقة، ولم نغفل عن الخوض في الجراح الغائرة القابعة جوف الروح الإنسانية اليمنية، وفي كل هذا التزم الأستاذ بالموضوعية والرأي العقلاني في طرح الإجابات، والكياسة والاتزان في نسج العبارات، وكما يقول على لسانه هو : هذه هي إجاباتي بحسب علمي المحدود ، واسأل الله العلي القدير أن ينقل حالنا وحال المسلمين جميعا إلى أحسن الأحوال، وهي كالتالي:
ـ الاختراق من الخارج قديم وبتنسيق مع متنفذين داخل أجهزة الدولة
*بعد أن اقتربت حرب الانقلاب في اليمن من نهايتها هل يجوز أن نسألك عن أهم الأسباب المسكوت عنها والتي أشعلت فتيل الحرب من وجهة نظر شرعية؟
هناك أسباب كثيرة، أدت إلى اندلاع هذه الحرب المؤلمة، ولكن أبرز هذه الأسباب، وأهمها هو البغي والانقلاب الغاشم على الشرعية الوطنية، وكان هذا السبب كافيا من الوجهة الشرعية لمقاومة ذلك البغي، والانقلاب المسلح، فالله يأمرنا في سورة الحجرات بقوله: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ)..الآية توجب صراحة على كل قادر يستطيع دفع ذلك البغي وذلك الانقلاب بما يقدر على دفعه، كل حسب استطاعته، حتى لو وصل بهم الأمر إلى مقاتلته، ومحاربته حتى يعود إلى جادة الصواب، فالانقلابيون لم يتراجعوا مع أن الشرعية قد استخدمت الحكومات والمنظمات والهيئات كل ما بوسعها لثنيهم عن هدفهم الباغي والانقلابي، ولكن لم ينفع معهم إلا القوة، وحتى دول التحالف قدمت لهم أيضا المبادرة الخليجية، فرفضوها أولا، ثم عدل فيها، ورفضوها ثانية، ثم قبلوا بها بعد ذلك على مضض، ثم حاولوا أكثر من مرة إفشالها، وأخيرا الانقلاب رفض كل ما اتفق عليه سابقا، وهذا هو ما دفع بالحكومة أولا، والتحالف ثانيا إلى إعلان الحرب على هؤلاء البغاة.
*فيما الكلام يدور عن الحرب تعتقد هل أسهمت التدخلات الخارجية فيها وما حجم تلك التدخلات الخارجية إن وجدت؟
من المؤسف حقا إنه لا يخفى على صغير ولا كبير مثل هذه التدخلات الخارجية في شؤوننا الداخلية، فأنا ومنذ أن عرفت نفسي واليمن مفتوحة أجواؤها، وبحارها، وبراريها، لكل من هب ودب، ولكل عابث، بل وصل بنا الحال أن يقتل أخونا اليمني في بيته أو في عمله بعدوان أجهزة خارجية بدون علم سلطات البلد وأجهزتها المختلفة، في أغلب الأحداث، وكذلك يهرب السلاح بكل أشكاله، والمخدرات، والمسمومات المحظورة، وكل ما هو محرم وممنوع، يهرب في كثير من الأحيان بغير علم الأجهزة المختصة، وفي بعض الأحيان بالتنسيق وللأسف مع متنفذين في الدولة داخل هذه الأجهزة، وكذلك يوجد هنا في داخل البلد منظمات، وتنظيمات سرية تعمل على حساب أطراف خارجة لزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وحجم هذه التدخلات وغيرها كبير جدا، لا يستطيع أحد حصره.
*مثل تلك التدخلات الخارجية وخاصة في الأزمة اليمنية الحالية إلى ماذا تهدف؟
يهدف مثل هذا التدخل وغيره إلى:
أولا: إضعاف تدين أهل اليمن، وإبعادهم أو إشغالهم قدر الإمكان عن معتقدهم ودينهم السليم، فالأعداء يحقدون على أهل هذا البلد الطيب، لأن أهله هم أكثر الشعوب تدينا، ومحافظة، فهم يهدفون من وراء تدخلهم ضرب مراكز القوة في المجتمع، كالجامعات الإسلامية، والمراكز العلمية، والمحاضن التربوية، والنيل من رموز الدعوة الإسلامية، بتشويههم، وقتل وإرهاب كل غيور على دينه.
ثانيا: محاصرة القوى الإسلامية الحية، اقتصاديا، وسياسيا، وعزلهم اجتماعيا، من خلال إعلامهم وأدواتهم وأذنابهم، وإزاحة كل وطني حر يسعى إلى العيش الكريم.
ثالثا: النفوذ والتسلط والهيمنة، وفرض الأجندات المختلفة، كالمذهبية، والطائفية، والتبعية السياسية، وغيرها.
ـ أخر الدواء الكي واليمنيون دخلوا الحرب مجبرين
*ما حجم الجراح الغائرة التي تركتها وستتركها الحرب في واقع اليمنيين النفسي والاجتماعي والإنساني وإلى أي مدى وصلت؟
الجروح هي مؤلمة، ومؤسفة جدا، ولكن كما يقال: آخر الدواء الكي!!.فالجيش الوطني، والمقاومة الشعبية لم يدخلوا الحرب مخيرين ، بل دخلوها مجبرين، ولولا المقاومة والتصدي لهذا الانقلاب، لكنا الآن في واقع أمر، وأعظم مما نحن فيه الآن، فالانقلاب كان انقلابا أسود يبطن الحقد والبغضاء لكل من خالفه سابقا، ومستقبلا، وكان أيضا يحمل مشروعا خارجيا توسعيا فيه خطر على المنطقة برمتها، وأرى من وجهة نظري المحدود، أن ما خلفته وستخلفه الحرب، سواء على اليمن خاصة، والمنطقة عامة، هو أهون النتائج مما لو كان نجح الانقلاب، ولم يجابه بالمقاومة وتحرك المملكة العربية السعودية.
*وهل هناك نتائج ستخلفها الحرب على واقعنا السياسي والاقتصادي المعيشي سلبية ام ايجابية؟
أما على الجانب الاقتصادي والسياسي، فهو أيضا وضع كارثي، سواء حدثت حرب أو لم تحدث، فالمنقلب هو نفسه من أفسد الحرث والنسل من قبل، وهو نفسه زمرة الفساد والإفساد، فهل سيكون حاله أحسن مما كان لو نجح في انقلابه؟!.فالجواب معروف! فهذا مستحيل، بل إنه سيزداد عتوا، ونفورا، وخاصة وقد خرج من هذا النظام كل من كان نزيها، ووطنيا، وكذلك أيضا رفع الدعم الخليجي عنه، والذي كان اقتصاد البلد مرتهنا عليه.
ـ نقاط لا غنى عنها في طريق الاستقرار
*لو حاولنا البحث عن الكيفية التي من خلالها يمكن معالجة هذه الجروح التي تأثر بها اليمن واليمنيين، وتجنب حدوثها مرة أخرى؟
اعتقد أن معالجتها ستكون بالنقاط التالية:
أولا: يكون بالعودة الصادقة إلى الله، وإعلان التوبة من كل مشارك في هذه الفتن.
ثانيا: عودة الباغي والمنقلب إلى جادة الصواب، والاعتراف بالشرعية التي أجمع عليها اليمنيون، وكل المجتمع الدولي.
ثالثا: سرعة انتخاب رئيس جديد، وحكومة جديدة، وبرلمان جديد، يعطى للشعب فيها حرية الاختيار لممثليه.
رابعا: إنشاء محكمة خاصة بقضايا فساد الحكومات السابقة، ولكل من تلطخت يده بالأموال العامة والخاصة.
خامسا: إعادة بناء المؤسسة العسكرية بعيدا عن الولاءات الضيقة، والمشاريع الصغيرة، والمناطقية المقيتة.
سادسا: قيام أجهزة الدولة المختلفة، بواجباتها المنوط بها على أكمل وجه، خدمة لكل يمني دون تمييز عنصري أو مناطقي، أو طبقي، أو فئوي.
سابعا: منع انتشار المظاهر المسلحة بكل أشكالها، وألوانها، وخاصة في المدن ومراكز المديريات.
ثامنا: ضم فصائل المقاومة الشعبية، واللجان الشعبية للجيش الوطني، وتأهيلها، وحصر أسلحتها.
تاسعا: إنشاء صندوق خاص بإعادة البناء والتعمير لما خلفته الحرب في كل محافظة ومديرية متضررة.
عاشرا: السعي الجاد من جميع الأطراف لترميم الجروح، ولملمة الشمل، ووحدة الصف، والقضاء على مظاهر الفرقة والتمزق في المجتمع.
حادي عشر: منع بيع السلاح القاتل والاتجار به بجميع أشكاله وأنواعه، في كافة ربوع الوطن.
ثاني عشر: منع كل أشكال التدخلات الخارجية التي من شأنها إحداث الشق والتفرقة مرة أخرى بين أبناء الوطن.
ـ تعز المبتدأ والمنتهى في الألم الدائر والخلاف بسيط بين أبناء المقاومة
*يقال أن سبب تأخر الحسم في تعز يعود إلى تفرق كلمه المقاومة في تعز فهل لهذه الادعاءات مصداقية وأنت أحد دعاة تعز؟
تفرق كلمة المقاومة هو في الحقيقة حسب ما أعلم غير صحيح ولا يوجد سوى في وسائل الإعلام!. فالمقاومة إلى هذه اللحظة ما زالت يدا واحدة، وهدفها هدف واحد، وهو تحرير تعز من الانقلابيين، ولا أنكر بأنه قد يوجد بعض وجهات النظر المختلفة التي لا تخلو أن توجد في الجماعة الواحدة، ولكن ليست خلافات تؤثر على طبيعة المعركة، وعلى تحقيق هدفهم، ثم إن وجود مثل هذا الخلاف البسيط معقول إلى حد ما، نظرا لكثرة وسائل الإعلام المختلفة، ووجود الطبقة المثقفة بكل انتماءاتها، وكذلك اختلاف فصائل المقاومة، وكثرتها، وتنوعها، وتعدد أيدلوجياتها.
*تلك الخلافات أو الاختلافات البسيطة لا تؤثر إنما كيف يمكن جمع كلمة المقاومة في تعز ضمن أهداف محددة؟
الحمد لله كما عرفنا من قبل بأن كلمة المقاومة في تعز مجتمعة ضد هدف واحد، وهو دحر الانقلاب، وخلافهم في بعض الجزئيات لا يؤثر على طبيعة المعركة إن شاء الله، ولكن أقول أيضا لو اتحدت مواقف السياسيين حول تعز لكانت تعز الآن قد حررت، بل أن اليمن كله قد حرر، ولكن اختلاف وجهات نظر السياسيين تؤثر على سير المعارك على الأرض.
*في هذه اللحظات المفصلية من حياة أبناء تعز ومقاومتها تعتقد ما الذي تحتاجه لتنجز أهدافها؟
تعز تحتاج في هذه اللحظة الراهنة موقفا سياسيا موحدا لاستكمال تحريرها، ورفع الحصار الجائر عنها، وتحتاج مزيدا من الاهتمام بها كونها تمثل شوكة الميزان في مصير اليمن، وتحتاج أيضا إلى الدعم المادي، والغذائي، الدوائي، وكل الاحتياجات الضرورية والملحة.
ـ في معارك الفكر دور العلماء لا يقل عن دور الحكومة
*أيهما ذو فاعلية والمعركة الأصعب في تعز الآن، هل هي معركة السلاح، أم هي معركة الفكر؟
إن المعركة الصعبة التي تخوضها تعز الآن هي معركة السلاح، فتعز مدينه معروفة بثقافتها، وبفكر أهلها الناضج، فهي في الوقت الحالي ينقصها السلاح ومحترفيه!، وبعد التحرر بإذن الله سوف تواصل تعز دورها الريادي في الرقي بالفكر والثقافة، والتسامح، والإخاء، والعودة إلى المدنية التي كانت ومازالت تعز تحلم في تحقيقها.
*وأخيرا لكل فئة واجب تقوم به فما واجب العلماء، بعد الانتهاء من المعركة العسكرية للإسهام في معركة الفكر وترسيخ قيم التسامح والتعايش وما هي الأدوات التي سيستخدمونها؟
دور العلماء في ترميم آثار الحرب، لا يقل أهمية عن دور الحكومة ومؤسساتها المختلفة، فدورهم مهم جدا، فهم اللاعب الأساسي في كل ما يحدث في ربوع الوطن، ويمكن أن يلعبوا دورا مهما من خلال التالي:
أولا: السعي الجاد لوحدة صف السياسيين أولا، ثم توحيد صف الفصائل ولم شعثها، لأن صوت العالم المتجرد مسموع لكل فئة في المجتمع، ولكن حينما تكون هناك إرادة صادقة من الجميع.
ثانيا: من خلال التوعية بحرمة دم المسلم، وإقلاق السكينة ألعامه.
ثالثا: المساهمة في إعادة البناء، والتعمير، من خلال الجمعيات، والمؤسسات الخيرية.
رابعا: إنشاء المحاضن التربوية، والمراكز العلمية المعتدلة، ودعمها، وتشجيعها، ومحاربة كل فكر متطرف بالمحاججة، وبكل وسيلة متاحة.
خامسا: اختيار مرجعية عامة للعلماء، وتوحيد خطابهم فيما يلامس قضايا الوطن، والوضع الراهن، ومصلحة الوطن.
سادسا: مناصحة ولاة الأمر، والأخذ بأيديهم إلى كل خير، ومحاولة ثنيهم عن كل شر، وضير.
سابعا: قيام العلماء بواجبهم في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر تجاه الأمة بشكل عام.
مكره أخاك لا بطل..لسان حال الشعب والعلماء أساس معارك الفكر وهذه النقاط لا غنى عنها في طريق الاستقرار
ناقش برنامج التواصل مع علماء اليمن العديد من القضايا في مجالات مختلفة منها الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي وكل ما يختص بحال وواقع الأمة الإسلامية واستضاف في سبيل الرأي الصائب العديد من العلماء والدعاة أصحاب المكانة العلمية والشرعية للتوضيح والإيضاح أكثر فلا نترك الباحث عن الرأي السديد في خواء الواقع لا يعلم من أين يستزيد.
وها نحن اليوم نجري حوارا مع الأستاذ الشيخ حمدي الحميري، إمام وخطيب جامع علي في مدينة تعز منطقة وادي القاضي، تحدث فيه عن أهم الأسباب التي أوصلت البلد إلى حرب الانقلابيين وأهوالها الحاضرة أمام العيان، وذكر واجب العلماء، بعد الانتهاء من المعركة العسكرية وإسهامهم في معركة الفكر وترسيخ قيم التسامح والتعايش.
كما أننا تطرقنا إلى حجم وطبيعة التدخلات الخارجية في الحرب الانقلابيين، وفند الأهداف التي اشتغلت على أساسها الأجندات،غير أنه دحض الإشاعات التي تتحدث عن تأخر الحسم في تعز حسب ما قيل إنه يعود لتفرق كلمه المقاومة في تعز وقال الحقيقة، ولم نغفل عن الخوض في الجراح الغائرة القابعة جوف الروح الإنسانية اليمنية، وفي كل هذا التزم الأستاذ بالموضوعية والرأي العقلاني في طرح الإجابات، والكياسة والاتزان في نسج العبارات، وكما يقول على لسانه هو : هذه هي إجاباتي بحسب علمي المحدود ، واسأل الله العلي القدير أن ينقل حالنا وحال المسلمين جميعا إلى أحسن الأحوال، وهي كالتالي:
ـ الاختراق من الخارج قديم وبتنسيق مع متنفذين داخل أجهزة الدولة
*بعد أن اقتربت حرب الانقلاب في اليمن من نهايتها هل يجوز أن نسألك عن أهم الأسباب المسكوت عنها والتي أشعلت فتيل الحرب من وجهة نظر شرعية؟
هناك أسباب كثيرة، أدت إلى اندلاع هذه الحرب المؤلمة، ولكن أبرز هذه الأسباب، وأهمها هو البغي والانقلاب الغاشم على الشرعية الوطنية، وكان هذا السبب كافيا من الوجهة الشرعية لمقاومة ذلك البغي، والانقلاب المسلح، فالله يأمرنا في سورة الحجرات بقوله: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ)..الآية توجب صراحة على كل قادر يستطيع دفع ذلك البغي وذلك الانقلاب بما يقدر على دفعه، كل حسب استطاعته، حتى لو وصل بهم الأمر إلى مقاتلته، ومحاربته حتى يعود إلى جادة الصواب، فالانقلابيون لم يتراجعوا مع أن الشرعية قد استخدمت الحكومات والمنظمات والهيئات كل ما بوسعها لثنيهم عن هدفهم الباغي والانقلابي، ولكن لم ينفع معهم إلا القوة، وحتى دول التحالف قدمت لهم أيضا المبادرة الخليجية، فرفضوها أولا، ثم عدل فيها، ورفضوها ثانية، ثم قبلوا بها بعد ذلك على مضض، ثم حاولوا أكثر من مرة إفشالها، وأخيرا الانقلاب رفض كل ما اتفق عليه سابقا، وهذا هو ما دفع بالحكومة أولا، والتحالف ثانيا إلى إعلان الحرب على هؤلاء البغاة.
*فيما الكلام يدور عن الحرب تعتقد هل أسهمت التدخلات الخارجية فيها وما حجم تلك التدخلات الخارجية إن وجدت؟
من المؤسف حقا إنه لا يخفى على صغير ولا كبير مثل هذه التدخلات الخارجية في شؤوننا الداخلية، فأنا ومنذ أن عرفت نفسي واليمن مفتوحة أجواؤها، وبحارها، وبراريها، لكل من هب ودب، ولكل عابث، بل وصل بنا الحال أن يقتل أخونا اليمني في بيته أو في عمله بعدوان أجهزة خارجية بدون علم سلطات البلد وأجهزتها المختلفة، في أغلب الأحداث، وكذلك يهرب السلاح بكل أشكاله، والمخدرات، والمسمومات المحظورة، وكل ما هو محرم وممنوع، يهرب في كثير من الأحيان بغير علم الأجهزة المختصة، وفي بعض الأحيان بالتنسيق وللأسف مع متنفذين في الدولة داخل هذه الأجهزة، وكذلك يوجد هنا في داخل البلد منظمات، وتنظيمات سرية تعمل على حساب أطراف خارجة لزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وحجم هذه التدخلات وغيرها كبير جدا، لا يستطيع أحد حصره.
*مثل تلك التدخلات الخارجية وخاصة في الأزمة اليمنية الحالية إلى ماذا تهدف؟
يهدف مثل هذا التدخل وغيره إلى:
أولا: إضعاف تدين أهل اليمن، وإبعادهم أو إشغالهم قدر الإمكان عن معتقدهم ودينهم السليم، فالأعداء يحقدون على أهل هذا البلد الطيب، لأن أهله هم أكثر الشعوب تدينا، ومحافظة، فهم يهدفون من وراء تدخلهم ضرب مراكز القوة في المجتمع، كالجامعات الإسلامية، والمراكز العلمية، والمحاضن التربوية، والنيل من رموز الدعوة الإسلامية، بتشويههم، وقتل وإرهاب كل غيور على دينه.
ثانيا: محاصرة القوى الإسلامية الحية، اقتصاديا، وسياسيا، وعزلهم اجتماعيا، من خلال إعلامهم وأدواتهم وأذنابهم، وإزاحة كل وطني حر يسعى إلى العيش الكريم.
ثالثا: النفوذ والتسلط والهيمنة، وفرض الأجندات المختلفة، كالمذهبية، والطائفية، والتبعية السياسية، وغيرها.
ـ أخر الدواء الكي واليمنيون دخلوا الحرب مجبرين
*ما حجم الجراح الغائرة التي تركتها وستتركها الحرب في واقع اليمنيين النفسي والاجتماعي والإنساني وإلى أي مدى وصلت؟
الجروح هي مؤلمة، ومؤسفة جدا، ولكن كما يقال: آخر الدواء الكي!!.فالجيش الوطني، والمقاومة الشعبية لم يدخلوا الحرب مخيرين ، بل دخلوها مجبرين، ولولا المقاومة والتصدي لهذا الانقلاب، لكنا الآن في واقع أمر، وأعظم مما نحن فيه الآن، فالانقلاب كان انقلابا أسود يبطن الحقد والبغضاء لكل من خالفه سابقا، ومستقبلا، وكان أيضا يحمل مشروعا خارجيا توسعيا فيه خطر على المنطقة برمتها، وأرى من وجهة نظري المحدود، أن ما خلفته وستخلفه الحرب، سواء على اليمن خاصة، والمنطقة عامة، هو أهون النتائج مما لو كان نجح الانقلاب، ولم يجابه بالمقاومة وتحرك المملكة العربية السعودية.
*وهل هناك نتائج ستخلفها الحرب على واقعنا السياسي والاقتصادي المعيشي سلبية ام ايجابية؟
أما على الجانب الاقتصادي والسياسي، فهو أيضا وضع كارثي، سواء حدثت حرب أو لم تحدث، فالمنقلب هو نفسه من أفسد الحرث والنسل من قبل، وهو نفسه زمرة الفساد والإفساد، فهل سيكون حاله أحسن مما كان لو نجح في انقلابه؟!.فالجواب معروف! فهذا مستحيل، بل إنه سيزداد عتوا، ونفورا، وخاصة وقد خرج من هذا النظام كل من كان نزيها، ووطنيا، وكذلك أيضا رفع الدعم الخليجي عنه، والذي كان اقتصاد البلد مرتهنا عليه.
ـ نقاط لا غنى عنها في طريق الاستقرار
*لو حاولنا البحث عن الكيفية التي من خلالها يمكن معالجة هذه الجروح التي تأثر بها اليمن واليمنيين، وتجنب حدوثها مرة أخرى؟
اعتقد أن معالجتها ستكون بالنقاط التالية:
أولا: يكون بالعودة الصادقة إلى الله، وإعلان التوبة من كل مشارك في هذه الفتن.
ثانيا: عودة الباغي والمنقلب إلى جادة الصواب، والاعتراف بالشرعية التي أجمع عليها اليمنيون، وكل المجتمع الدولي.
ثالثا: سرعة انتخاب رئيس جديد، وحكومة جديدة، وبرلمان جديد، يعطى للشعب فيها حرية الاختيار لممثليه.
رابعا: إنشاء محكمة خاصة بقضايا فساد الحكومات السابقة، ولكل من تلطخت يده بالأموال العامة والخاصة.
خامسا: إعادة بناء المؤسسة العسكرية بعيدا عن الولاءات الضيقة، والمشاريع الصغيرة، والمناطقية المقيتة.
سادسا: قيام أجهزة الدولة المختلفة، بواجباتها المنوط بها على أكمل وجه، خدمة لكل يمني دون تمييز عنصري أو مناطقي، أو طبقي، أو فئوي.
سابعا: منع انتشار المظاهر المسلحة بكل أشكالها، وألوانها، وخاصة في المدن ومراكز المديريات.
ثامنا: ضم فصائل المقاومة الشعبية، واللجان الشعبية للجيش الوطني، وتأهيلها، وحصر أسلحتها.
تاسعا: إنشاء صندوق خاص بإعادة البناء والتعمير لما خلفته الحرب في كل محافظة ومديرية متضررة.
عاشرا: السعي الجاد من جميع الأطراف لترميم الجروح، ولملمة الشمل، ووحدة الصف، والقضاء على مظاهر الفرقة والتمزق في المجتمع.
حادي عشر: منع بيع السلاح القاتل والاتجار به بجميع أشكاله وأنواعه، في كافة ربوع الوطن.
ثاني عشر: منع كل أشكال التدخلات الخارجية التي من شأنها إحداث الشق والتفرقة مرة أخرى بين أبناء الوطن.
ـ تعز المبتدأ والمنتهى في الألم الدائر والخلاف بسيط بين أبناء المقاومة
*يقال أن سبب تأخر الحسم في تعز يعود إلى تفرق كلمه المقاومة في تعز فهل لهذه الادعاءات مصداقية وأنت أحد دعاة تعز؟
تفرق كلمة المقاومة هو في الحقيقة حسب ما أعلم غير صحيح ولا يوجد سوى في وسائل الإعلام!. فالمقاومة إلى هذه اللحظة ما زالت يدا واحدة، وهدفها هدف واحد، وهو تحرير تعز من الانقلابيين، ولا أنكر بأنه قد يوجد بعض وجهات النظر المختلفة التي لا تخلو أن توجد في الجماعة الواحدة، ولكن ليست خلافات تؤثر على طبيعة المعركة، وعلى تحقيق هدفهم، ثم إن وجود مثل هذا الخلاف البسيط معقول إلى حد ما، نظرا لكثرة وسائل الإعلام المختلفة، ووجود الطبقة المثقفة بكل انتماءاتها، وكذلك اختلاف فصائل المقاومة، وكثرتها، وتنوعها، وتعدد أيدلوجياتها.
*تلك الخلافات أو الاختلافات البسيطة لا تؤثر إنما كيف يمكن جمع كلمة المقاومة في تعز ضمن أهداف محددة؟
الحمد لله كما عرفنا من قبل بأن كلمة المقاومة في تعز مجتمعة ضد هدف واحد، وهو دحر الانقلاب، وخلافهم في بعض الجزئيات لا يؤثر على طبيعة المعركة إن شاء الله، ولكن أقول أيضا لو اتحدت مواقف السياسيين حول تعز لكانت تعز الآن قد حررت، بل أن اليمن كله قد حرر، ولكن اختلاف وجهات نظر السياسيين تؤثر على سير المعارك على الأرض.
*في هذه اللحظات المفصلية من حياة أبناء تعز ومقاومتها تعتقد ما الذي تحتاجه لتنجز أهدافها؟
تعز تحتاج في هذه اللحظة الراهنة موقفا سياسيا موحدا لاستكمال تحريرها، ورفع الحصار الجائر عنها، وتحتاج مزيدا من الاهتمام بها كونها تمثل شوكة الميزان في مصير اليمن، وتحتاج أيضا إلى الدعم المادي، والغذائي، الدوائي، وكل الاحتياجات الضرورية والملحة.
ـ في معارك الفكر دور العلماء لا يقل عن دور الحكومة
*أيهما ذو فاعلية والمعركة الأصعب في تعز الآن، هل هي معركة السلاح، أم هي معركة الفكر؟
إن المعركة الصعبة التي تخوضها تعز الآن هي معركة السلاح، فتعز مدينه معروفة بثقافتها، وبفكر أهلها الناضج، فهي في الوقت الحالي ينقصها السلاح ومحترفيه!، وبعد التحرر بإذن الله سوف تواصل تعز دورها الريادي في الرقي بالفكر والثقافة، والتسامح، والإخاء، والعودة إلى المدنية التي كانت ومازالت تعز تحلم في تحقيقها.
*وأخيرا لكل فئة واجب تقوم به فما واجب العلماء، بعد الانتهاء من المعركة العسكرية للإسهام في معركة الفكر وترسيخ قيم التسامح والتعايش وما هي الأدوات التي سيستخدمونها؟
دور العلماء في ترميم آثار الحرب، لا يقل أهمية عن دور الحكومة ومؤسساتها المختلفة، فدورهم مهم جدا، فهم اللاعب الأساسي في كل ما يحدث في ربوع الوطن، ويمكن أن يلعبوا دورا مهما من خلال التالي:
أولا: السعي الجاد لوحدة صف السياسيين أولا، ثم توحيد صف الفصائل ولم شعثها، لأن صوت العالم المتجرد مسموع لكل فئة في المجتمع، ولكن حينما تكون هناك إرادة صادقة من الجميع.
ثانيا: من خلال التوعية بحرمة دم المسلم، وإقلاق السكينة ألعامه.
ثالثا: المساهمة في إعادة البناء، والتعمير، من خلال الجمعيات، والمؤسسات الخيرية.
رابعا: إنشاء المحاضن التربوية، والمراكز العلمية المعتدلة، ودعمها، وتشجيعها، ومحاربة كل فكر متطرف بالمحاججة، وبكل وسيلة متاحة.
خامسا: اختيار مرجعية عامة للعلماء، وتوحيد خطابهم فيما يلامس قضايا الوطن، والوضع الراهن، ومصلحة الوطن.
سادسا: مناصحة ولاة الأمر، والأخذ بأيديهم إلى كل خير، ومحاولة ثنيهم عن كل شر، وضير.
سابعا: قيام العلماء بواجبهم في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر تجاه الأمة بشكل عام.