استطلاع: عبد الرحمن الجلبين
زعم الحوثيين من الوهلة الأولى لعدوانهم على اليمن واليمنيين انهم يحاربون مجموعة من الضالين الذين يكفرون الناس ويطلقون عليهم أحكام التكفير بدون وجه حق، وقادوا حربا شعواء بدأوها ضد طلاب العلم في دماج، ثم استمرت هذا الادعاءات مع مشروعهم الظالم الذي التهموا معه الدولة وقتلوا الأبرياء وهدموا بيوت الله وكانوا سببا رئيسا لما وصلنا إليه الآن، بسبب تواريهم خلف مشروع السيطرة، واحتواء الدولة وجعل بقية الشعب إقطاعا لديهم يتحكمن في ثرواته وابنائه. ما لبثت ادعاءاتهم حينا من الزمن إلا وظهرت للعيان وأصبح زيفهم يتكشف، وهاهم علماؤهم الآن يطلقون أحكام التكفير بعد أن ظلوا فترة طويلة يتهمون الناس بالدعششة.. ها هم الآن يكفرون رئيس الدولة وكل من ينضوي تحت حكمه ويسانده، كل هذا من أجل تبرير أفعالهم القبيحة التي يمارسونها ضد الشعب وليجدوا مبررا شرعيا لما يقومون به فدعششوا المواطنين وكفروا الرئيس.
كيف يرى علماء اليمن هذه الفتوى، وما هي أضرارها على المجتمع اليمني، ومن هم المؤهلون للإفتاء؟ مزيدا من التفاصيل سنتعرف عليها من خلال هذا الاستطلاع وآراء العلماء حول الفتوى والمفتي.
فتوى قامت على التجري لا التحري:
يقول الدكتور أحمد عطية قاضي الاستئناف في محافظة شبوة وعضو هيئة علماء اليمن: (من طبيعة المسلمين أن تحصل بينهم خلافات وتعدد في الرؤى السياسية والاجتماعية، لكن يظل الجميع داخل دائرة الإسلام ، ومن المحزن صدور فتاوى التكفير من فترة إلى أخرى على خلاف يحصل بين الناس، ومسألة التكفير للمسلم خطيرة وجريمة لعدة أسباب منها:
1- أنها مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي حرمت تكفير المسلم ففي الحديث ( اذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )، ويقول تعالى : (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا)
2- أن التكفير أسرع طريق للتفجير فبمجرد صدور مثل هذه الفتاوى الباطلة تستباح بعدها الدماء والأنفس والأعراض والممتلكات الخاصة والعامة.
3- أن استخدام فتاوى التكفير في العمل السياسي يقضي على أي فرص للحوار والتفاوض لأن الطرف المستهدف من الفتوى أخرجه خصمه من الدين وبعدها تعم الفتن والكوارث.
وشدد على أن تبقى الفتوى الشرعية لها مصادرها من أهل العلم الموثوقين.
وحول الفتوى التي صدرت مؤخرا قال: "نستنكر ونعارض بصوت عالي الفتوى التي استهدفت رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي، رئيس اليمن الشرعي والتي كفرته وأخرجته من الملة،" واعتبرها فتوى قامت على التجري وليس التحري، بلا زمام ولا خطام. ولابد من إبطالها والتراجع عنها لأن ما بني على باطل فهو باطل.
الفتوى تجرؤ على الله، وإيقاد للفتنة:
من جهته تحدث الشيخ عبدالله بن غالب الحميري عن فتوى محمد المطاع وقال: هذه الفتوى فيها تجرؤ بالتكفير لرئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، وفيها تكفير ضمني لمن وقف معه، وفيها دعوة للفتنة بتجنيد عشرة آلاف جندي من كل محافظة من أجل القتال مع هذه الطائفة، المغتصبة للحكم في اليمن والساعية للفتنة والتدمير.
وحول المفتي تحدث قائلا: محمد المطاع ليس معروفا بالعلم وليس منسوبا الى أهله الذين يعتدون بفتواهم. وأردف أن مسألة التكفير حكم شرعي لا يقدم عليه إلا أهل العلم الراسخة أقدامهم في العلم وفي المسائل الجلية الواضحة غير المحتملة لأنه حكم شرعي لا يقدم عليه في حق معين إلا من اكتملت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه، وأما في المسائل الظنية المحتملة فلا يقدم على التكفير ولا يتجرأ عليها إلا جهال، والمتعصبين ممن ينتسبون إلى العلم وليسوا كذلك. الأمر الثاني أن التكفير مما عرف به الخوارج والخوارج من أجهل الناس في الشرع، وقد وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم في الشرع بأنهم يقرأون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وهو يعني أنهم وصِفوا بعدم الفقه والفهم وأنه لم تتشرب قلوبهم العلم فلذلك يكثر منهم التعجل في الفتوى والتكفير والجور على المخالف.
واعتبر الشيخ الحميري الفتوى فتوى سياسية، لأن المطاع من أكابر المنظرين للحوثيين وولده معروف في إب وهو فضل المطاع بأنه أحد الغزاة الذين جاءوا الى إب وأحكموا السيطرة عليها واستدرجوا من استدرجوا إلى السجون والقتل ومنهم الداعية المشهور أمين الرجوى رحمة الله عليه والذي جاء استدراجه عن طريق ولده، ومحمد المطاع يتقرب بهذه الفتوى من الحوثيين كونه ليس من البطنين وليس من آل البيت الذين يواليهم الحوثيون فهو كما يقال عباسي النسب فهو بهذه الفتوى يتقرب إلى الحوثيين..
وقال إن الحوثيين لا يحتاجون أساسا الى فتوى المطاع, لأنهم من قبل أن يفتي المطاع استحلوا دماء المسلمين والأعراض والأموال ودمروا البيوت وانتهكوا كل الحرمات وليسوا بحاجة إلى هذه الفتوى السياسية المتأخرة التي لا تدل إلا على جهل صاحبها بمسائل العلم الشرعي، كما تدل على الجرأة على الله والحكم على خلقه بالتكفير دون برهان شرعي.
وأكد أن العلماء هم أكثر الناس تورعا بمسائل التكفير وأكثر الناس بعداً عنه وأكثر الناس تأصيلا وفقها وإدراك وتحذيرا من الفتن وأهلها واعتزال لأهل الشر فضلاً عن أن يكونوا مناصرين لهم، لهذا فهذه الفتوى لا تدل إلا على جهل صاحبها وهذا من علامات الساعة أن يوسد الأمر الى غير أهله كما قال صلى الله عليه وسلم (إذا وسد الامر الى غير أهله فانتظر الساعة) نسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وأن يعيذنا من الفتن وأهلها ما ظهر منها وما بطن.
الفتوى السياسية تتعلق بأمن الإنسان والمجتمع:
ويتحدث الشيخ عمار بن ناشر عن الفتوى وأحكامها ومن المؤهلين لها فيقول: (الفتوى وضوابطها وشروط المفتي من القضايا المهمة ولها الأثر الكبير والخطير على الفرد والمجتمع والبلاد والامة واقتحام الفتوى بغير علم يضر المجتمع والدين والعقيدة، ولهذا قال أحد السلف أهلك الابدان نصف طبيب وأهلك الأديان نصف عالم، ونحن الآن نرى تساهلا على مستوى الدول وطلاب العلم في اقتحام هذا الباب الخطير بغير علم قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}... وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}..الآية. وهذا ترتيب تصاعدي وجعل الله سبحانه وتعالى التقول عليه أخطر من الشرك لأنه أصل لكل مفسدة ، والمفتي كما قال ابن القيم رحمة الله "موقع عن رب العالمين".
وأضاف الشيخ العريقي: في هذه القضايا يجب التنبه إلى عدة أمور. الامر الاول: أن الفتوى السياسية أخطر من الفتوى في أبواب الطهارة أو الصلاة أو غيرها؛ لأن الفتوى السياسية تتعلق بقضايا جوهرية قضايا تمس المجتمع والأمة والإنسان، وتتعلق بها الدماء والتكفير وهي قضية وجود أو عدم، ولا ينبغي أن يقتحم الفتوى السياسية إلا أهل العلم وأهل الاختصاص وقال تعالى: {واسألوا أهل العلم ان كنتم لا تعلمون}. الآية وأهل الذكر هم أهل التخصص فينبغي مراعاة الفتوى واحترام التخصص فالفتوى السياسية أخطر وأشد ضررا على المجتمع ككل.
الأمر الثاني في القضايا المصيرية منها قضايا الدماء والتكفير والقتال ونحوه وهي تحتاج إلى فقه مجتهدين ومرجعيات فقهية والاجتهاد الجماعي لأنه كما قال بعض السلف زلة العالِم زلة العالََم فلا ينبغي الرجوع الى عالم واحد وإنما الى مجمع علمي ودار إفتاء.. فكيف بالرجوع الى أناس لم يبلغوا حتى درجة الاجتهاد مثل طلاب العلم أو أنصاف متعلمين هذا أمر خطير، واليوم قد اقتحم باب الدماء والتكفير والقتال جهات مشبوهة وطلاب علم ومن لهم ارتباطات بمنظمات إلى جهات لا تحسن الفتوى. لهذا نبه العلماء في كتب أصول الفقه إلى وجود شروط للمجتهد، منها: العلم كما قال تعالى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}..الآية، وقال تعالى: { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } فأهل العلم هم الذين يستنبطون.. وهم ليسوا علماء فقط وإنما يمتلكون العلم العميق والوعي السياسي الدقيق، والعلم قضية والشرط أن يكون قد بلغ درجة الاجتهاد.وكان السلف يعطون الإجازات على الفتوى، وقالوا: لم يفت مالك حتى أجازه سبعون محنكا، وقال مسلم بن خالد الزنجي لتلميذه الشافعي آن لك أن تفتي يا شافعي وكما قال ابن القيم يشترط بالمفتي أن يكون عالما بالواقع والواجب في هذا الواقع، فالحكم عن الشيء فرع عن تصوره وتصوره فرع عن الإحاطة به.
وختم حديثه بوجوب الإخلاص لله في الفتوى فقال: يجب الاخلاص لله بمعنى ان لم يكن مخلصا فإنه سيتحدث عن الفتوى باعتبارات وحسابات أخرى إما مصلحية شخصية أو جهوية، إنما الأعمال بالنيات، وكما قال ابن المبارك: (رب علم قليل تكثره النية وكبير تصغره النية)، وأهم شرط في الإفتاء العدالة وقد قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: إنما العلم رخصة من ثقة ومعنى ثقة يتطلب أمرين ثقة في دينه بمعنى العدالة وثقة في علمه؛ فلا يكفي أن يكون ثقة في علمه وهو جاهل ولا ثقة في دينه وهو فاسق.
استطلاع: عبد الرحمن الجلبين
زعم الحوثيين من الوهلة الأولى لعدوانهم على اليمن واليمنيين انهم يحاربون مجموعة من الضالين الذين يكفرون الناس ويطلقون عليهم أحكام التكفير بدون وجه حق، وقادوا حربا شعواء بدأوها ضد طلاب العلم في دماج، ثم استمرت هذا الادعاءات مع مشروعهم الظالم الذي التهموا معه الدولة وقتلوا الأبرياء وهدموا بيوت الله وكانوا سببا رئيسا لما وصلنا إليه الآن، بسبب تواريهم خلف مشروع السيطرة، واحتواء الدولة وجعل بقية الشعب إقطاعا لديهم يتحكمن في ثرواته وابنائه. ما لبثت ادعاءاتهم حينا من الزمن إلا وظهرت للعيان وأصبح زيفهم يتكشف، وهاهم علماؤهم الآن يطلقون أحكام التكفير بعد أن ظلوا فترة طويلة يتهمون الناس بالدعششة.. ها هم الآن يكفرون رئيس الدولة وكل من ينضوي تحت حكمه ويسانده، كل هذا من أجل تبرير أفعالهم القبيحة التي يمارسونها ضد الشعب وليجدوا مبررا شرعيا لما يقومون به فدعششوا المواطنين وكفروا الرئيس.
كيف يرى علماء اليمن هذه الفتوى، وما هي أضرارها على المجتمع اليمني، ومن هم المؤهلون للإفتاء؟ مزيدا من التفاصيل سنتعرف عليها من خلال هذا الاستطلاع وآراء العلماء حول الفتوى والمفتي.
فتوى قامت على التجري لا التحري:
يقول الدكتور أحمد عطية قاضي الاستئناف في محافظة شبوة وعضو هيئة علماء اليمن: (من طبيعة المسلمين أن تحصل بينهم خلافات وتعدد في الرؤى السياسية والاجتماعية، لكن يظل الجميع داخل دائرة الإسلام ، ومن المحزن صدور فتاوى التكفير من فترة إلى أخرى على خلاف يحصل بين الناس، ومسألة التكفير للمسلم خطيرة وجريمة لعدة أسباب منها:
1- أنها مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي حرمت تكفير المسلم ففي الحديث ( اذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )، ويقول تعالى : (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا)
2- أن التكفير أسرع طريق للتفجير فبمجرد صدور مثل هذه الفتاوى الباطلة تستباح بعدها الدماء والأنفس والأعراض والممتلكات الخاصة والعامة.
3- أن استخدام فتاوى التكفير في العمل السياسي يقضي على أي فرص للحوار والتفاوض لأن الطرف المستهدف من الفتوى أخرجه خصمه من الدين وبعدها تعم الفتن والكوارث.
وشدد على أن تبقى الفتوى الشرعية لها مصادرها من أهل العلم الموثوقين.
وحول الفتوى التي صدرت مؤخرا قال: "نستنكر ونعارض بصوت عالي الفتوى التي استهدفت رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي، رئيس اليمن الشرعي والتي كفرته وأخرجته من الملة،" واعتبرها فتوى قامت على التجري وليس التحري، بلا زمام ولا خطام. ولابد من إبطالها والتراجع عنها لأن ما بني على باطل فهو باطل.
الفتوى تجرؤ على الله، وإيقاد للفتنة:
من جهته تحدث الشيخ عبدالله بن غالب الحميري عن فتوى محمد المطاع وقال: هذه الفتوى فيها تجرؤ بالتكفير لرئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، وفيها تكفير ضمني لمن وقف معه، وفيها دعوة للفتنة بتجنيد عشرة آلاف جندي من كل محافظة من أجل القتال مع هذه الطائفة، المغتصبة للحكم في اليمن والساعية للفتنة والتدمير.
وحول المفتي تحدث قائلا: محمد المطاع ليس معروفا بالعلم وليس منسوبا الى أهله الذين يعتدون بفتواهم. وأردف أن مسألة التكفير حكم شرعي لا يقدم عليه إلا أهل العلم الراسخة أقدامهم في العلم وفي المسائل الجلية الواضحة غير المحتملة لأنه حكم شرعي لا يقدم عليه في حق معين إلا من اكتملت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه، وأما في المسائل الظنية المحتملة فلا يقدم على التكفير ولا يتجرأ عليها إلا جهال، والمتعصبين ممن ينتسبون إلى العلم وليسوا كذلك. الأمر الثاني أن التكفير مما عرف به الخوارج والخوارج من أجهل الناس في الشرع، وقد وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم في الشرع بأنهم يقرأون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وهو يعني أنهم وصِفوا بعدم الفقه والفهم وأنه لم تتشرب قلوبهم العلم فلذلك يكثر منهم التعجل في الفتوى والتكفير والجور على المخالف.
واعتبر الشيخ الحميري الفتوى فتوى سياسية، لأن المطاع من أكابر المنظرين للحوثيين وولده معروف في إب وهو فضل المطاع بأنه أحد الغزاة الذين جاءوا الى إب وأحكموا السيطرة عليها واستدرجوا من استدرجوا إلى السجون والقتل ومنهم الداعية المشهور أمين الرجوى رحمة الله عليه والذي جاء استدراجه عن طريق ولده، ومحمد المطاع يتقرب بهذه الفتوى من الحوثيين كونه ليس من البطنين وليس من آل البيت الذين يواليهم الحوثيون فهو كما يقال عباسي النسب فهو بهذه الفتوى يتقرب إلى الحوثيين..
وقال إن الحوثيين لا يحتاجون أساسا الى فتوى المطاع, لأنهم من قبل أن يفتي المطاع استحلوا دماء المسلمين والأعراض والأموال ودمروا البيوت وانتهكوا كل الحرمات وليسوا بحاجة إلى هذه الفتوى السياسية المتأخرة التي لا تدل إلا على جهل صاحبها بمسائل العلم الشرعي، كما تدل على الجرأة على الله والحكم على خلقه بالتكفير دون برهان شرعي.
وأكد أن العلماء هم أكثر الناس تورعا بمسائل التكفير وأكثر الناس بعداً عنه وأكثر الناس تأصيلا وفقها وإدراك وتحذيرا من الفتن وأهلها واعتزال لأهل الشر فضلاً عن أن يكونوا مناصرين لهم، لهذا فهذه الفتوى لا تدل إلا على جهل صاحبها وهذا من علامات الساعة أن يوسد الأمر الى غير أهله كما قال صلى الله عليه وسلم (إذا وسد الامر الى غير أهله فانتظر الساعة) نسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وأن يعيذنا من الفتن وأهلها ما ظهر منها وما بطن.
الفتوى السياسية تتعلق بأمن الإنسان والمجتمع:
ويتحدث الشيخ عمار بن ناشر عن الفتوى وأحكامها ومن المؤهلين لها فيقول: (الفتوى وضوابطها وشروط المفتي من القضايا المهمة ولها الأثر الكبير والخطير على الفرد والمجتمع والبلاد والامة واقتحام الفتوى بغير علم يضر المجتمع والدين والعقيدة، ولهذا قال أحد السلف أهلك الابدان نصف طبيب وأهلك الأديان نصف عالم، ونحن الآن نرى تساهلا على مستوى الدول وطلاب العلم في اقتحام هذا الباب الخطير بغير علم قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}... وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}..الآية. وهذا ترتيب تصاعدي وجعل الله سبحانه وتعالى التقول عليه أخطر من الشرك لأنه أصل لكل مفسدة ، والمفتي كما قال ابن القيم رحمة الله "موقع عن رب العالمين".
وأضاف الشيخ العريقي: في هذه القضايا يجب التنبه إلى عدة أمور. الامر الاول: أن الفتوى السياسية أخطر من الفتوى في أبواب الطهارة أو الصلاة أو غيرها؛ لأن الفتوى السياسية تتعلق بقضايا جوهرية قضايا تمس المجتمع والأمة والإنسان، وتتعلق بها الدماء والتكفير وهي قضية وجود أو عدم، ولا ينبغي أن يقتحم الفتوى السياسية إلا أهل العلم وأهل الاختصاص وقال تعالى: {واسألوا أهل العلم ان كنتم لا تعلمون}. الآية وأهل الذكر هم أهل التخصص فينبغي مراعاة الفتوى واحترام التخصص فالفتوى السياسية أخطر وأشد ضررا على المجتمع ككل.
الأمر الثاني في القضايا المصيرية منها قضايا الدماء والتكفير والقتال ونحوه وهي تحتاج إلى فقه مجتهدين ومرجعيات فقهية والاجتهاد الجماعي لأنه كما قال بعض السلف زلة العالِم زلة العالََم فلا ينبغي الرجوع الى عالم واحد وإنما الى مجمع علمي ودار إفتاء.. فكيف بالرجوع الى أناس لم يبلغوا حتى درجة الاجتهاد مثل طلاب العلم أو أنصاف متعلمين هذا أمر خطير، واليوم قد اقتحم باب الدماء والتكفير والقتال جهات مشبوهة وطلاب علم ومن لهم ارتباطات بمنظمات إلى جهات لا تحسن الفتوى. لهذا نبه العلماء في كتب أصول الفقه إلى وجود شروط للمجتهد، منها: العلم كما قال تعالى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}..الآية، وقال تعالى: { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } فأهل العلم هم الذين يستنبطون.. وهم ليسوا علماء فقط وإنما يمتلكون العلم العميق والوعي السياسي الدقيق، والعلم قضية والشرط أن يكون قد بلغ درجة الاجتهاد.وكان السلف يعطون الإجازات على الفتوى، وقالوا: لم يفت مالك حتى أجازه سبعون محنكا، وقال مسلم بن خالد الزنجي لتلميذه الشافعي آن لك أن تفتي يا شافعي وكما قال ابن القيم يشترط بالمفتي أن يكون عالما بالواقع والواجب في هذا الواقع، فالحكم عن الشيء فرع عن تصوره وتصوره فرع عن الإحاطة به.
وختم حديثه بوجوب الإخلاص لله في الفتوى فقال: يجب الاخلاص لله بمعنى ان لم يكن مخلصا فإنه سيتحدث عن الفتوى باعتبارات وحسابات أخرى إما مصلحية شخصية أو جهوية، إنما الأعمال بالنيات، وكما قال ابن المبارك: (رب علم قليل تكثره النية وكبير تصغره النية)، وأهم شرط في الإفتاء العدالة وقد قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: إنما العلم رخصة من ثقة ومعنى ثقة يتطلب أمرين ثقة في دينه بمعنى العدالة وثقة في علمه؛ فلا يكفي أن يكون ثقة في علمه وهو جاهل ولا ثقة في دينه وهو فاسق.