جديد الموقع

الرئيسية

مقالات وحوارات

قبل أن نستقبل الضيف؛ ﻻ بد من تهيئة القلوب والأجساد

قبل أن نستقبل الضيف؛ ﻻ بد من تهيئة القلوب والأجساد

تاريخ النشر: الثلاثاء, 10 مايو 2016 - 21:13 مساءً | عدد المشاهدات: 1,736

بقلم/ حمدي الحميري

الإخوة القراء: أبدأ مقالتي معكم بهذا التساؤل فأقول: أرأيتم يوما ما طالبًا مُجدًا يقتحم لجنة الامتحانات دون استعداد مسبق؟ وكذلك هل قد رأيتم تاجرًا ناجحًا يقبل عليه موسم حي دون أن يتهيأ له من قبل؟ أو هل قد رأيتم مزارعًا يترك البذر ويرجو بعد ذلك الحصاد؟

الجواب وبلا شك بأن ذلك مستحيل! فهذه هي سنة الله وهي: أن لا يدرك إلا المُجِدّ، ولا يحصل على النتائج إلا الباذل، فأقول: إذا كان الإنسان حريصًا أن يستعد لأمور دنياه ويتهيأ لها: فيذاكر الطالب، ويحتشد التاجر، ويبذر الزارع، إذا كان ذلك كذلك أفلا يستعد المسلم للطاعة ويتهيأ للعبادة.

فيا أيها الإخوة: لقد أظلنا شهر شعبان، شعبان الذي هو في الحقيقة شهر التدريبات القلبية والجسمية، تلك التدريبات التي تضع الإنسان في وضع الاستعداد لاغتنام ما يلي شعبان من أيام رمضان، فإذا مرت أيام هذا الشهر الذي يغفل عنه عدد غير قليل من البشر؛ فإنه ما من شك في انفراط عقد رمضان من بين أيدينا دون أن نشعر؛ فالطاعة تأتي بالطاعة بعدها، ولا يأتي بعد الغفلة إلا مزيد من الغفلة والسقوط في بئر الحرمان، فنحن الآن على أبواب رمضان، لا تفصلنا عنه سوى أيام معدودة ستمر علينا مر البرق، وستنقضي انقضاء الحلم، فمن منا فكر من الآن في الاستعداد لشهر رمضان، وتهيأ لاستقباله. فالكثير منا قد يدخل عليه شهر رمضان، ويفاجئه رمضان بمجيئه وهو ما زال غافلا لم يهيئ قلبه وبدنه لاستقباله، ففي كل عام يأتي علينا رمضان، فما يبدأ الشهر إلا والمساجد على أشدها، ويُسمع للقرآن دويٌّ كدويِّ النحل، ثم ما يلبث ذلك أن يضمحل حتى يكاد يختفي عند انتصاف الشهر الكريم، إلا بين من رحمهم الله تعالى وأراد بهم الخير والفلاح والفوز، ولا يأتي أخر الشهر إلا والنفوس ضعيفة تحتاج إلى من يشحذ هممها حتى الدموع التي كانت تذرف أول الشهر تكون قد تجمدت والعياذ بالله.

فأقول أيها الإخوة وأكرر: أن مشكلتنا هي أننا في كل عام يدخل علينا رمضان ونحن ما زلنا غافلين، لم نتهيأ لاستقباله، فنبدأ في الطاعة والعبادة من الصفر، ثم نرقى شيئًا فشيئًا فلا نكاد نجد طعم العبادة وحلاوة الطاعة إلا وقد انقضى رمضان، وانطوت صحائفه بما فيها من إحسان المحسن وإساءة المسيء! فنندم ونتحسر ونتألم، ونقول: سنعوض في العام القادم، ثم يأتي علينا العام القادم فلا يكون أحسن حالاً من سابقه، وهكذا حتى يحق الحق ويغادر الإنسان دنياه وهو كما هو، وهذا واقع الكثير منا نسأل الله العافية والسلامة، وكل ذلك يحدث لدينا لأن القلب أحيانا لا يكون معتادا على كثرة العبادات ولم يدرب خلال العام بالنوافل فعندما يأتي رمضان نثقل القلب والجسم بعبادات لم يكونا معتادان عليهما من قبل، وسبب ثقل العبادات هو أن في القلب شيئا من الأدران والأوساخ التي تعيق الطاعات؛ ولا داعي لذكرها الآن، ولكن المهم هنا هو كيف نهيئ قلوبنا وأجسادنا لاستقبال شهر رمضان؟ فلو أننا تذكرنا أيها الإخوة ما كان يقال عن أسلافنا، وأنهم كانوا يستقبلون رمضان قبل مجيئه بستة أشهر، لو تذكرنا هذا لعرفنا لماذا كانوا يجدون لرمضان طعمًا لا نجده نحن، أو لا يجده على الأقل كثير منّا.

فالقضية إذًا أيها الأحباب هي قضية الاستعداد من الآن لهذا الشهر بالعبادة والطاعة والبر، القضية هي قضية اغتنام أوقات شهر شعبان المبارك وما قبل شعبان حتى لا يأتي رمضان إلا وقد ارتقى الإنسان منازل عالية من الطاعة والعبادة.                                     

فيجب أن نعلم أولا: بأن شهر رمضان هو شهر الجائزة، ففيه يفوز الصائمون القائمون، ويخسر القاعدون المبطلون، فرمضان ليس مجالاً لبدء الاستعداد للاستمرار على الطاعة، وإنما أيام شعبان هي أوان أخذ بوادر الأهبة وتجهيز متاع التوبة إلى شهر الصيام والقيام؛ فالفائز في رمضان هو من أحسن الأهبة في شعبان، والمغبون أشد الغبن من استغفله الشيطان واستولى على دقائقه وساعاته في شعبا.

نعم أيها الإخوة: رمضان أطل وبخيره أقبل فهل أعددنا له العدة؛ أو بالأحرى هل هيأنا قلوبنا وأجسادنا لاستقباله؟ ولعل أحدكم يقول: وما عساي أن أفعل في شعبان استعدادا لرمضان؟ فأقول: اعلم أن كل عبادة متأكدة في رمضان فإنه يحسن بك أن تكثر منها في شعبان استعدادًا وتهيؤًا لشهر رمضان. ومن هذه العبادات:                        

أولاً: هيئ نفسك بالمحافظة على الصلوات الخمس جماعة، وبالإكثار من نوافل الصلوات.             

ثانيا: هيئ نفسك بما رغبك فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من كثرة الصيام في هذا الشهر، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه، فعن عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها- قالت: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان،وفي رواية لمسلم: كان يصوم شعبان إلا قليلاً.. وهذا يدل على شدة محافظته على الصوم في شعبان، والمقصود صيام أكثر الشهر لا كله. قال ابن حجر رحمه الله: كان صيامه في شعبان تطوعًا أكثر من صيامه فيما سواه، وكان يصوم معظم شعبان، قال ابن رجب -رحمه الله-: قيل في صوم شعبان: إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل المسلم في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.

ثالثا: هيئ نفسك أيضا بما تيسر لك من قيام الليل حتى ولو كانت ركعات قليلة وخفيفة فإنها تعود الإنسان شيئا فشيئا حتى يصبح بعد ذلك متعودا على القيام، فابدأ بالتعود على قيام الليل مثلا:  بأن تستيقظ مع النداء الأول لصلاة الفجر فتصلي بعض ما تيسر، ثم اختمه بصلاة الوتر، وهكذا ومع الأيام ستجد بأن القيام سهل على من سهله الله عليه.

رابعا: أيضا هناك شيئان مهمان يجب علينا التنبه لخطرهما إذا أردنا أن نهيئ أنفسنا لاستقبال شهر رمضان المبارك، هذان الأمران هما: عدم الإشراك بالله بأي نوع من أنواع الشرك، والأمر الثاني هو تفقد قلوبنا وتصفيتها من البغض والحقد والمشاحنات التي تحصل بينا جميعا بين الفينة والأخرى، ولا يسلم منها أحد، فقد جاء عند الطبراني وابن حبان عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن. وهو حديث صحيح، وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يطَّلعُ اللهُ إلى عباده ليلةَ النصف من شعبان، فيغفرُ للمؤمنين، ويُمهِلُ الكافرين، ويدعُ أهلَ الحقد بحقدِهم حتى يدعوه) [رواه الطبراني والبيهقي]وهو حديث صحيح.

خامسا: ومما تهيئ به النفوس لاستقبال رمضان الإكثار من بعض الطاعات كالإكثار من ذكر الله، ومن قراءة القرآن، ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وصلة الأرحام وسائر أنواع الإحسان.  قال سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القراء. وقال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، ومن لم يزرع ويغرس في رجب ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟

سادسا: ومن أوجه الاستعداد النفسي لشهر رمضان: الدُّعاء قبل مجيء رمضان: فإن من يقرأ سير السلف الصالح وكيف كان حالهم في استقبال شهر رمضان يجد بوناً شاسعاً بين حالهم وحالنا، ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي عن معلى بن الفضل قوله:( كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم) وذكر عن يحيى بن أبي كثير كان من دعائهم اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلاً).  وكذلك نجد بأن استقبال السلف لرمضان يكون بالتوبة الصادقة والإنابة والإقبال على الله، وخاصة ونحن مقبلون على ليلة النصف من شعبان والتي سيرفع فيها أعمالنا لهذا العام، وسيقفل ويغلق هذا الكتاب الذي يحوي أعمالنا خلال هذا العام؛ فبماذا تحب أن تختمه؟

 

أضف تعليق

مقالات ذات صلة

كيف نستقبل رمضان

كيف نستقبل رمضان

  متابعات: عبد الرحمن الجلبين تحدث الشيخ فيصل الحفاشي في برنامج مع علماء اليمن الذي يبث الساعة الثامنة من مساء كل خميس .. المزيد